بقلم الدكتور/ سري رشدي بركات – أستاذ التربية الخاصة – جامعة الملك سعود
يمثل مفهوم الذات أهمية في حياة الفرد ، فهو الذي يوجه أفعالنا في المواقف المختلفة ، وينمو مفهوم الذات من خلال الخبرات التي يكتسبها الفرد في تفاعله مع المحيط الاجتماعي ، فالفرد يؤثر في الآخرين ويتأثر بهم ، وبمقدار هذا التأثير ونوعه تتشكل ذاته ، كما أن صورة الفرد عن ذاته أثر كبير وأهمية بالغة في مستقبل حياته وذلك لما تعكسه في تصور ورؤية للفرد عن ذاته ، وتحدد توقعاتنا عن أنفسنا وعن الآخرين ، بالإضافة إلى ذلك فإن مفهوم الذات يعمل على تحقيق الاتساق بين أفعالنا ونظرتنا إلى أنفسنا سلبية كانت أم إيجابية .
ويعرف مفهوم الذات بأنه ” رؤية كلية تعبر عن إدراك الفرد لذاته، والتي يتم تشكيلها من خلال التفاعل بين الفرد والبيئة المحيطة به، والتي من خلالها يكون لنفسه صورة عن ذاته ومدى تقبله لها” . ويعرف أيضاً بأنه “الفكرة التي يكونها الفرد عن نفسه بما تتضمن من جوانب جسمية واجتماعية وانفعالية وأخلاقية يكونها الفرد عن نفسه من خلال علاقاته بالآخرين وتفاعله معهم .
ويعد مفهوم الذات هو المحور الرئيس في الشخصية ، وأن لها أهمية كبرى في تحديد سلوك الفرد ودرجة تكيفه ، وتعد الذات نتاجاً للتفاعل الاجتماعي بين الفرد والآخرين الإيجابية أو السلبية دوراً كبيراً في تحديد مفهوم الذات لدى الفرد ، ومما يضاعف انخفاض مفهوم الذات تلك الاتجاهات السالبة التي يظهرها الآخرون تجاههم ، إن المشكلة ليست في القصور السمعي في حد ذاته، بل في كيفية استجابة المحيطين لإعاقته وكيفية تقبلهم له وبخاصة الوالدين، فكثير من المشكلات لديه ترجع إلى عدم تقبل الآخرين المحيطين في بيئته لعجزه وقصوره.
ويعد مفهوم الذات من أهم السمات التي يتميز بها الإنسان عن سائر المخلوقات ، وهو قدرته على أن يكون واعياً بذاته شاعراً بها ،وإذا كان كل من الإنسان والحيوان قادرين على الاستجابة للبيئة الخارجية وللآخرين ، فإن الإنسان قادر بصفة خاصة على أن يستجيب لنفسه ، وهذا الشعور بالذات هو المصدر الأساسي للهوية ، وهذه الهوية تتضمن مفهوم الذات ، وهي التصور الكلى المتناغم الذي يتشكل من ادراكات وخصائص الفرد وعلاقاته مع الآخرين في مختلف جوانب الحياة والقيم المحددة لهذه الإدراك ، ويعنى بذلك عملية متغيرة ومرنة ..وبصفة عامة ، تعتبر الخبرات الذاتية المادة الخام التى يتشكل منها مفهوم الذات ، والذات الواقعية التى يأمل الفرد التحلى بها .
ومفهوم الذات هو الصورة المتكاملة عن ذات المرء ، يتم معايشتها انفعالياً كنظام فريد لأفكار الفرد عن نفسه ، واستناداً إليها يتفاعل مع الآخرين ، ويكون موقفاً تجاه نفسه ” ويحول الفرد خبراته التي يمر بها خلال مواقفه الحياتية إلى رموز يدركها ويقيمها فى ضوء مفهوم الذات وفى ضوء المعايير الاجتماعية أو يتجاهلها على أنه لا علاقة لها ببنية الذات أو يذكرها أو يشوهها ( إذا كانت غير متطابقة مع بنية الذات ) أو إذا أخبر صراعاً بين تقييمه وتقييم الآخرين ، فإنه قد يضحى بتقييمه ويذكر أو يشوه خبرته ويغير سلوكه ليطابق إدراك وتقييم الآخرين ، وهذا الإنكار والتشويه لخبرات الفرد يؤدى إلى القلق واللجوء إلى حيل دفاعية وسوء التوافق النفسي .
وتلعب التنشئة الاجتماعية دوراً مهماً في تكوين مفهوم الذات لدى الطفل، حيث أن خبرات عملية التنشئة والتطبيع الاجتماعي تلعب دوراً مهماً وخطيراً فى تشكيل فكرته عن نفسه وتكوين شخصيته من خلال علاقاته المتبادلة مع الوالدين وتفاعله معهما ، فالأطفال الذين يشعرون بالحب والتقبل يحملون شعوراً إيجابياً نحو الذات ، أما الأطفال الذين لا يشعرون بتقبل أبائهم لهم فيكونون أكثر عرضة للتأثر بوسائل الآخرين السلبية .
وهناك فرق بين مصطلحي الذات ، ومفهوم الذات ، فالذات: هي ذلك الجانب الذي نعيه عن أنفسنا في المستوى الشعوري ، أما مفهوم الذات : فإنه يشير إلى تلك المجموعة الخاصة من الأفكار والاتجاهات التي تتكون لدينا حول وعينا بأنفسنا في أي لحظة من الزمن ، أو هو ذلك البناء المعرفي المنظم الذي ينشأ من خبرتنا بأنفسنا ، ومن الوعي بأنفسنا تنمو أفكارنا أو مفاهيمنا عن نوع الشخص الذي نجده في أنفسنا ،وإشباع الفرد لحاجاته النفسية ينعكس على مفهومه لذاته وتقديره لها، فالكيفية التي يرى بها الفرد نفسه تعد غاية في الأهمية بالنسبة للصحة النفسية، وفي مجتمعنا المعاصر يشعر الناس بالحاجة إلى مفهوم إيجابي عن ذواتهم يعتمد على تقييم إيجابي للذات ثابت نسبيا،ً كما يعتمد على تقدير الآخرين لهم ويتضح ذلك بصفة رئيسة في علاقة تلك الحاجات بالرغبات، فالفرد قد يعبر عن حاجته للتقدير والاحترام من خلال ما يشعر به من رغبة في القوة والإنجاز والكفاءة والاستقلال والحرية، وقد ينشد بالإضافة إلى ذلك مكانة مرموقة وهيبة واحترام وتقدير وإعجاب واعترافاً به 0
ومفهوم الذات لدى الفرد لا ينشأ من فراغ، وإنما يتحقق كنتيجة نابعة من وجود الشخص كعضو في المجتمع تتأثر علاقاته بالأفراد المحيطين به وبآرائهم وأحكامهم التي يصدرونها عليه وبسلوكهم تجاهه، فشخصية الفرد ما هي إلا محصلة للتفاعل بين ذاته كشخص والنسق الأسرى الذي ينتمي إليه،
فعلى سبيل المثال: الطفل المعوق سمعياً يكون أداءه وطريقة تصرفاته وحرمانه من استخدام اللغة تجعله يبدو غريباً ومختلفاً عن الآخرين إذا ما قورن بالطفل العادي، وقد يعمل هذا الشعور بالاختلاف على التأثير على مفهوم الذات لدى الطفل المعاق سمعياً مما يشجعه على الاتجاه إلى العزلة والابتعاد عن نظرات الاستغراب والدهشة أو الرثاء التي قد يبديها الآخرون تجاهه0
وبالتالي يمكن الإشارة هنا أن مفهوم الذات المرتفع والمتوسط لدى الأطفال ذوي الإعاقة يعزى إلى الرعاية والاهتمام المتزايد من قبل القائمين على تعليمهم وتقديم الخدمات لهم سواء أخصائيين أو معلمين أو الوالدين المعلمين مما يؤدي ذلك إلى تحقيق التكامل النفسي والاجتماعي لدى الأطفال ، لذلك يعد معلم التربية الخاصة العنصر الأساسي في التعرف على كثير من مشكلات التلاميذ داخل الصف ، الأمر الذي يلقي على كاهل المعلم عبء التعرف على مثل هؤلاء الأطفال، وتشخيص ما يواجهون من مشكلات ومساعدتهم على التكيّف مع الحياة الاجتماعية للمدرسة، من خلال مساعدتهم على النمو الجسمي والعقلي والعاطفي لتحقيق الأهداف التربوية وتنمية جانب الخير في شخصياتهم وتنمية هذا الجانب عن طريق التشجيع والتوجه واستغلال طاقاتهم إلى أبعد مدى ممكن ومساعدتهم على الاحتفاظ باتزانهم العاطفي وتنمية اتجاهاتهم السليمة ، مما ينعكس ذلك إيجاباً في تنمية مفهوم الذات لديهم ، بالإضافة إلى التوجهات التربوية الحديثة التي تعنى اهتماما بذوي الإعاقة من حيث تأهيلهم في كافة الجوانب التي تسهم بشكل إيجابي في تنمية مفهوم الذات لدى المعاقين سمعياً بصفة عامة ولدى ضعاف السمع بصفة خاصة ، وذلك لتهيئة هذه الفئة للدمج الكلى مع أقرانهم العاديين وفقاً لما تنادى به التوجهات التربوية الحديثة .